كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَالْمَعْنَى: أُحِلَّ لَكُمْ أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ كُلِّهَا، وَصَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ بِشَرْطِهِ. أَمَّا الطَّيِّبَاتُ فَظَاهِرُ الْحَصْرِ فِي آيَتَيِ الْأَنْعَامِ وَالنَّحْلِ أَنَّ كُلَّ مَا عَدَا الْمَنْصُوصِ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ طَيِّبٌ فَهُوَ حَلَالٌ، وَلَوْلَاهُ لَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مِنَ الطَّعَامِ مَا هُوَ خَبِيثٌ مُحَرَّمٌ بِنَصِّ الْكِتَابِ، وَهُوَ مَا ذُكِرَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ طَيِّبٌ حِلٌّ بِنَصِّ الْكِتَابِ؛ كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَصَيْدِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، أَيْ مَا شَأْنُهُ أَنْ يُصَادَ مِنْهُمَا. فَأَمَّا الْبَحْرُ فَكُلُّ حَيَوَانِهِ يُصَادُ، وَأَمَّا الْبَرُّ فَإِنَّمَا يُصَادُ مِنْهُ لِلْأَكْلِ فِي الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ الْغَالِبِ، مَا عَدَا سِبَاعَ الْوَحْشِ وَالطَّيْرِ، فَتَكُونُ هَذِهِ السِّبَاعُ حَرَامًا، وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ. وَحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ: كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ، مَا عَدَا التِّرْمِذِيَّ فِي الْأَوَّلِ، وَأَبَا دَاوُدَ فِي الثَّانِي. وَمَنْ أَخَذَ بِالْحَصْرِ فِي الْآيَتَيْنِ جَعَلَ النَّهْيَ عَمَّا ذُكِرَ نَهْيَ كَرَاهَةٍ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَقَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: مَشْهُورُ مَذْهَبِهِ عَلَى إِبَاحَةِ ذَلِكَ، وَهُوَ لَا يُنَافِي كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ، وَكَأَنَّهُ يَرَى أَنَّ حَدِيثَ أَبِي ثَعْلَبَةَ مَرْوِيٌّ بِالْمَعْنَى إِنْ كَانَ قَدْ بَلَغَهُ.
وَالسَّبُعُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ: مَا يَعْدُو عَلَى النَّاسِ وَالْحَيَوَانِ؛ فَيَخْرُجُ الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْدُوَانِ عَلَى النَّاسِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كُلُّ مَا أَكَلَ اللَّحْمَ، قَالُوا: فَيَدْخُلُ فِيهِ الضَّبُعُ وَالضَّبُّ وَالنَّمِرُ وَالْيَرْبُوعُ وَالْفِيلُ، عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَجَازَ أَكْلَ الضَّبِّ، كَمَا فِي حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَحَادِيثَ أُخْرَى، وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ يَعَافُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي أَرْضِ قَوْمِهِ. وَأَجَازَ أَكْلَ الضَّبُعِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ يَدُلُّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَخْذِ تَحْرِيمِ السِّبَاعِ مِنْ مَفْهُومِ الصَّيْدِ، وَنَصُّهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي عِمَارَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرٍ: الضَّبُعُ أَصِيدُ هِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: آكُلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: آكُلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: أَقَالَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَيْضًا- لَوْلَا مَا ذُكِرَ مِنَ الْحَصْرِ- أَنَّ مَالآنصَّ فِي الْكِتَابِ عَلَى حِلِّهِ أَوْ عَلَى حُرْمَتِهِ قِسْمَانِ: طَيِّبٌ حَلَالٌ وَخَبِيثٌ حَرَامٌ، وَهَلِ الْعِبْرَةُ فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا ذَوْقُ أَصْحَابِ الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ، أَوْ يَعْمَلُ كُلُّ أُنَاسٍ بِحَسْبِ ذَوْقِهِمْ؟ كُلٌّ مِنَ الْوَجْهَيْنِ مُحْتَمَلٌ، وَالْمُوَافِقُ لِحِكْمَةِ التَّحْرِيمِ: الثَّانِي، وَهُوَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَأْكُلَ مَا تَسْتَخْبِثُهُ نَفْسُهُ وَتَعَافُهُ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّهُ وَلَا يَصْلُحُ لِتَغْذِيَتِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَا أَكَلْتَهُ وَأَنْتَ تَشْتَهِيهِ فَقَدْ أَكَلْتَهُ، وَمَا أَكَلْتَهُ وَأَنْتَ لَا تَشْتَهِيهِ فَقَدْ أَكَلَكَ. وَيُرْوَى عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعِبْرَةَ ذَوْقُ أَصْحَابِ الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ مِنَ الْعَرَبِ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِهَذَا أَوَّلًا، وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَافَ أَكْلَ الضَّبِّ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي أَرْضِ قَوْمِهِ، وَأَذِنَ لِغَيْرِهِ بِأَكْلِهِ وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يُحَرِّمُهُ، فَلَا يُحْكَمُ بِذَوْقِ قَوْمٍ عَلَى ذَوْقِ غَيْرِهِمْ، وَلَيْسَ هَذَا أَمْرًا يَتَعَلَّقُ بِاللُّغَةِ حَتَّى يُقَالَ: إِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِهَذَا النَّصِّ أَوَّلًا، فَالْعِبْرَةُ بِمَا يَفْهَمُونَهُ مِنْهُ، وَالنَّاسُ لَهُمْ فِيهِ تَبَعٌ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَذْوَاقِ وَالطِّبَاعِ، وَمَعْنَاهُ: أُحِلَّ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُكَلَّفُونَ مَا يُسْتَطَابُ أَكْلُهُ وَيُشْتَهَى، دُونَ مَا يُسْتَخْبَثُ وَيُعَافُ، وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْعِبْرَةُ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ مِنْ سَلِيمِي الطِّبَاعِ غَيْرِ ذَوِي الضَّرُورَاتِ وَالْمَعِيشَةِ الشَّاذَّةِ، أَوْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الطِّبَاعِ بَيْنَ الْأَقْوَامِ. وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يُنْتِنُ: أَيَحْرُمُ أَمْ يُكْرَهُ؟ وَهُوَ خَبِيثٌ لُغَةً وَعُرْفًا، وَلَا يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ الْمَارِّ لِأَنَّ خُبْثَهُ عَارِضٌ، وَكُلُّ حَلَالٍ يَعْرِضُ لَهُ وَصْفٌ يَصِيرُ بِهِ ضَارًّا يَحْرُمُ- كَاخْتِمَارِ الْعَصِيرِ- فَإِنْ زَالَ حَلَّ؛ كَتَخَلُّلِ الْخَمْرِ.
وَأَمَّا صَيْدُ الْجَوَارِحِ فَقَدْ قَيَّدَ النَّصُّ حِلَّهُ بِأَنْ يَكُونَ الْجَارِحُ الَّذِي صَادَهُ مِمَّا أَدَّبَهُ النَّاسُ وَعَلَّمُوهُ الصَّيْدَ حَتَّى يَصِحَّ أَنْ يُنْسَبَ الصَّيْدُ إِلَيْهِمْ، وَيَكُونَ قَتْلُ الْجَارِحِ لَهُ كَتَذْكِيَةِ مُرْسِلِهِ إِيَّاهُ، فَيَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْفَرَائِسِ، وَيُمْسِكُ الصَّيْدَ عَلَى الصَّائِدِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ أَيْ: فَكُلُوا مِنَ الصَّيْدِ مَا تُمْسِكُهُ الْجَوَارِحُ عَلَيْكُمْ، أَيْ تَصِيدُهُ لِأَجْلِكُمْ، فَتَحْبِسُهُ وَتَقِفُهُ عَلَيْكُمْ بِعَدَمِ أَكْلِهَا مِنْهُ، فَإِنْ أَكَلَتْ مِنْهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا فَضُلَ عَنْهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ فَرِيسَةِ السَّبُعِ الْمُحَرَّمَةِ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ، بَلْ هِيَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْكِلَابَ وَنَحْوَهَا مِنَ السِّبَاعِ، وَكَذَلِكَ تُسَمَّى السِّبَاعُ كِلَابًا، وَمِنْهُ حَدِيثُ اللهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِكَ رَوَى أَحْمَدُ، وَالشَّيْخَانِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ، إِلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ فَلَا تَأْكُلْ؛ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَفِي رِوَايَةٍ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ، فَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا فَاذْبَحْهُ، وَإِنْ أَدْرَكْتَهُ قَدْ قُتِلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ؛ فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ». الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْحُكْمُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ.
وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ الْأَخْذُ بِظَاهِرِ عُمُومِ مِمَّا أَمْسَكْنَ فَقَالُوا: كُلُّ مَا جَاءَ بِهِ الْكَلْبُ أَوْ غَيْرُهُ، أَكَلَ مِنْهُ أَوْ لَمْ يَأْكُلْ، فَهُوَ قَدْ أَمْسَكَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، فَلَهُ أَكْلُهُ.
رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ نَحْوَ هَذَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَسَعْدٍ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَلْمَانَ أَنَّهُمَا قَالَا: وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ، وَبَقِيَ الثُّلُثُ فَكُلْ، وَعَلَيْهِ مَالِكٌ.
وَفَرَّقَ آخَرُونَ بَيْنَ الْكِلَابِ وَنَحْوِهَا مِنَ السِّبَاعِ وَبَيْنَ الطَّيْرِ كَالْبَازِيِّ؛ فَأَبَاحُوا مَا أَكَلَ مِنْهُ الطَّيْرُ دُونَ مَا أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ. رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ، هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. وَمِنْ أَسْبَابِ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْخِلَافُ فِي حَدِّ التَّعْلِيمِ الَّذِي اشْتَرَطَهُ الْكِتَابُ فِي حِلِّ صَيْدِ الْجَوَارِحِ، وَأَكَّدَ اشْتِرَاطَهُ حَتَّى لَا يَتَسَاهَلَ الْمُسْلِمُ الضَّعِيفُ النَّفْسِ فِي أَكْلِ فَضَلَاتِ الْكِلَابِ وَالسِّبَاعِ، وَقَدِ اكْتَفَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي حَدِّ التَّعْلِيمِ بِطَاعَةِ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ لِمُعَلِّمِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، رُوِيَ هَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: مَرَّتَيْنِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: الْعِبْرَةُ بِالْعُرْفِ. وَحَقِيقَةُ التَّعْلِيمِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنْ يَطْلُبَ الْكَلْبُ أَوِ الْبَازِيُّ أَوْ غَيْرُهُمَا الصَّيْدَ إِذَا أُغْرِيَ بِهِ، وَيُجِيبُ إِذَا دُعِيَ، وَيُسَمَّى ذَلِكَ إِشْلَاءً وَاسْتِشْلَاءً، وَلَا يَنْفِرُ مِنْ صَاحِبِهِ، وَأَنْ يُمْسِكَ الصَّيْدَ عَلَيْهِ، وَمَوْضِعُ الْخِلَافِ فِي هَذَا الْإِمْسَاكِ الْمَنْصُوصِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَلَّا يَأْكُلَ الْجَارِحَةُ مِنْهُ شَيْئًا قَطُّ؟ أَمْ يُعَدُّ كُلُّ مَا جَاءَ بِهِ إِمْسَاكًا عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِنْ أَكَلَ بَعْضَهُ؟ الْجُمْهُورُ عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعَارَضٌ بِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي صَيْدِ الْكَلْبِ: إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ تَعَالَى فَكُلْ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ، وَكُلْ مَا رَدَّتْ عَلَيْكَ يَدُكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَفِي إِسْنَادِهِ دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو الْأَوْدِيُّ الدِّمَشْقِيُّ عَامِلُ وَاسِطٍ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدِيثُهُ مُقَارِبٌ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَلَا أَرَى بِرِوَايَاتِهِ بَأْسًا، وَقَالَ الْعِجْلِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ هُوَ شَيْخٌ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: مَا رَدَّتْ يَدُكَ، مَا صِدْتَهُ بِيَدِكَ مُبَاشَرَةً، قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ: وَقَدْ طُعِنَ فِي حَدِيثِ ثَعْلَبَةَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ صَحِيحٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلْ مَا رَدَّتْ عَلَيْكَ قَوْسُكَ وَكَلْبُكَ» زَادَ ابْنُ حَرْبٍ: الْمُعَلَّمُ وَيَدُكَ؛ فَكُلْ ذَكِيًّا وَغَيْرَ ذَكِيٍّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي تَفْسِيرِ «ذَكِيٍّ وَغَيْرِ ذَكِيٍّ»: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالذَّكِيِّ مَا أَمْسَكَ عَلَيْهِ، فَأَدْرَكَهُ قَبْلَ زَهُوقِ نَفْسِهِ فَذَكَّاهُ فِي الْحَلْقِ أَوِ اللَّبَّةِ، وَغَيْرِ الذَّكِيِّ: مَا زَهَقَتْ نَفْسُهُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالذَّكِيِّ: مَا جَرَحَهُ الْكَلْبُ بِسِنِّهِ أَوْ مَخَالِبِهِ فَسَالَ دَمُهُ، وَغَيْرِ الذَّكِيِّ: مَا لَمْ يَجْرَحْهُ. اهـ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمَّى أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةً كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى حِلِّ مَا صَادَهُ الْإِنْسَانُ بِيَدِهِ فَمَاتَ بِأَخْذِهِ وَلَمْ يُذَكِّهِ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ بِيَدِهِ لَيْسَ دُونَ مَوْتِهِ بِأَخْذِ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ، وَلَهُ وَلِلنَّسَائِيِّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنْ أَعْرَابِيًّا يُقَالُ لَهُ أَبُو ثَعْلَبَةَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي كِلَابًا مُكَلَّبَةً (كَمُعَلَّمَةٍ وَزْنًا وَمَعْنًى) فَأَفْتِنِي فِي صَيْدِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ كَانَ لَكَ كِلَابٌ مُكَلَّبَةٌ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ قَالَ: ذَكِيًّا أَوْ غَيْرَ ذَكِيٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ؟ قَالَ: وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفْتِنِي فِي قَوْسِي.
قَالَ: كُلْ مَا رَدَّتْ عَلَيْكَ قَوْسُكَ قَالَ: ذَكِيًّا وَغَيْرَ ذَكِيٍّ؟ قَالَ: «ذَكِيٌّ وَغَيْرُ ذَكِيٍّ» قَالَ: وَإِنْ تَغَيَّبَ عَنِّي؟ قَالَ: «وَإِنْ تَغَيَّبَ عَنْكَ، مَا لَمْ يَصِلْ- أَيْ: يُنْتِنْ- أَوْ يَتَغَيَّرْ أَوْ تَجِدُ فِيهِ أَثَرَ غَيْرِ سَهْمِكَ» ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ آنِيَةِ الْمَجُوسِ، فَأَفْتَاهُ بِغَسْلِهَا وَالْأَكْلِ فِيهَا. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَا بَأْسَ بِإِسْنَادِهِ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَلَهُمْ فِيهِ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ، سَبَبُهَا أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ كُلَّ مَا رَوَاهُ عَنْ جَدِّهِ، بَلْ كَانَ عِنْدَهُ صَحِيفَةٌ مَكْتُوبَةٌ أَوْ كِتَابٌ، وَهُوَ مَا يُسَمُّونَهُ «الْوِجَادَةَ» فَمِنْ هاهنا ضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ، وَمِمَّنْ وَثَّقَهُ الْبُخَارِيُّ، وَإِنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ فِي صَحِيحِهِ؛ لِمَا لَهُ مِنَ الشُّرُوطِ فِيهِ غَيْرِ ثِقَةِ الرَّاوِي، قَالَ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ وَعَلِيًّا، وَإِسْحَاقَ وَالْحُمَيْدِيَّ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، فَمَنِ النَّاسُ بَعْدَهُمْ؟! وَالتَّحْقِيقُ مَا قَالَهُ الذَّهَبِيُّ: «لَسْنَا نَقُولُ إِنَّ حَدِيثَهُ مِنْ أَعْلَى أَقْسَامِ الصَّحِيحِ، بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْحَسَنِ».
فَإِذَا كَانَ حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ عَدِيٍّ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ بِحَمْلِ النَّهْيِ فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، فَلِمَ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ عَدِيًّا كَانَ مُوسِرًا فَاخْتِيرَ لَهُ الْحَمْلُ عَلَى الْأَوْلَى، بِخِلَافِ أَبِي ثَعْلَبَةَ؛ فَإِنَّهُ كَانَ أَعْرَابِيًّا فَقِيرًا، وَرَدُّوا هَذَا بِتَعْلِيلِ الْحَدِيثِ بِخَوْفِ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَقُولُ: إِنَّ مَفْهُومَ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ مَنْ عَلِمَ بِالْقَرِينَةِ أَنَّهُ أَمْسَكَ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَإِنْ أَكَلَ الْجَارِحُ قِطْعَةً مِنْهُ لِشِدَّةِ جُوعِهِ- مَثَلًا- كَمَا يَأْكُلُ مِنْ سَائِرِ طَعَامِ مُعَلِّمِهِ، وَإِنْ عَلِمَ بِالْقَرِينَةِ أَنَّهُ إِنَّمَا صَادَ لِنَفْسِهِ وَأَمْسَكَ لَهَا لِعَدَمِ انْتِهَاءِ تَعْلِيمِهِ وَتَكْلِيبِهِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ إِلَّا إِذَا اعْتَقَدَ أَنَّ النَّهْيَ لِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَالْخَوْفُ مِنَ الْإِمْسَاكِ عَلَى نَفْسِهِ تَرْجِيحٌ لَهُ.
أَمَّا «مِنْ» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} فَذَهَبَ ابْنُ جَرِيرٍ إِلَى أَنَّهَا لِلتَّبْعِيضِ، فَإِنَّ مَا يُمْسِكُهُ الْجَارِحَةُ حَلَالٌ لَحْمُهُ حَرَامٌ فَرْثُهُ وَدَمُهُ، فَيُؤْكَلُ بَعْضُهُ وَهُوَ اللَّحْمُ. وَرَدَ قَوْلُ بَعْضِ النَّحْوِيِّينَ أَنَّهَا زَائِدَةٌ. وَأَقُولُ: هِيَ هُنَا مِثْلُهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} (23: 51) {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ} (2: 60) {كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} (2: 168) {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} (6: 141) فَـ «مِنْ» فِي كُلِّ ذَلِكَ لِلِابْتِدَاءِ عَلَى أَصْلِ مَعْنَاهَا، فَإِنْ كَانَتْ لِلتَّبْعِيضِ؛ فَلِأَنَّهُ الْوَاقِعُ غَالِبًا، لَا لِإِفَادَةِ حِلِّ بَعْضِ مَا ذُكِرَ وَتَحْرِيمِ بَعْضٍ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ} الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ: اذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا أَمْسَكَتْ عَلَيْكُمْ جَوَارِحُكُمْ مِنَ الصَّيْدِ عِنْدَ أَكْلِهِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ إِرْسَالِ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ أَخْذًا مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ، فَأَخَذَ فَقَتَلَ فَكُلْ وَفِي رِوَايَةٍ: فَإِنْ وَجَدْتَ مَعَ كَلْبِكَ كَلْبًا غَيْرَهُ، وَقَدْ قَتَلَ فَلَا تَأْكُلْ؛ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيُّهُمَا قَتَلَهُ وَفِي رِوَايَةٍ: فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ هَذَا لَمْ يَرِدْ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ، فَهُوَ حُكْمٌ قَدْ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْأَحْكَامَ تَثْبُتُ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَصْلٌ فِي الْكِتَابِ، أَوْ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ آيَةٍ أُخْرَى كَظَاهِرِ: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لِفِسْقٌ} (6: 121) أَوْ يُقَالُ: إِنَّ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ إِرْسَالِ الْكَلْبِ سُنَّةٌ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ التَّسْمِيَةِ؛ إِذْ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ صَرِيحٌ أَجْمَعَ السَّلَفُ عَلَيْهِ. رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ هُنَا: إِذَا أَرْسَلْتَ جَوَارِحَكَ، فَقُلْ بِسْمِ اللهِ، وَإِنْ نَسِيتَ، فَلَا حَرَجَ. فَهُوَ يَرَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ إِرْسَالِ الْكَلْبِ سُنَّةٌ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا، وَتَقَدَّمَ عَنْ طَاوُسٍ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، أَنَّ قَوْمًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ، لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: «سَمُّوا عَلَيْهِ أَنْتُمْ وَكُلُوا» قَالَ: وَكَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْكُفْرِ. وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ قَبْلُ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ طَلَبُ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْأَكْلِ، وَأَمَّا فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ مِنْهُمْ بِأَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ مُسْتَحَبَّةٌ، لَا وَاجِبَةٌ وَلَا شَرْطٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ، وَأَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ: هِيَ وَاجِبَةٌ، وَتَسْقُطُ مَعَ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا تَجِبُ مُطْلَقًا. وَالْعُمْدَةُ فِي هَذَا الْبَابِ آيَةُ الْأَنْعَامِ: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لِفِسْقٌ} (6: 121) فَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ مُفَسِّرِي الْأَثَرِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللهِ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الذَّبَائِحِ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَاتِ فِي الْآيَةِ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللهَ عَنَى بِذَلِكَ: مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ وَالْآلِهَةِ، أَوْ مَا مَاتَ، أَوْ ذَبَحَهُ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ عَنَى بِذَلِكَ مَا ذَبَحَهُ الْمُسْلِمُ فَنَسِيَ ذِكْرَ اسْمِ اللهِ- فَقَوْلٌ بَعِيدٌ مِنَ الصَّوَابِ؛ لِشُذُوذِهِ، وَخُرُوجِهِ عَمَّا عَلَيْهِ الْحُجَّةُ مُجْمِعَةٌ مِنْ تَحْلِيلِهِ، وَكَفَى بِذَلِكَ شَاهِدًا عَلَى فَسَادِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَهُ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى «لَطِيفُ الْقَوْلِ فِي أَحْكَامِ شَرَائِعِ الدِّينِ» فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِنَّهُ لِفِسْقٌ فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّ أَكْلَ مَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ مِنَ الْمَيْتَةِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ لَفِسْقٌ. اهـ. وَخَصَّهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ، وَجَعَلَ الْجُمْلَةَ حَالِيَّةً أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} (6: 145) وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا، وَسَنَعُودُ إِلَى هَذَا الْمَبْحَثِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.